الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
بعد أن استقل أحمد بن طولون بحكم مصر ظهرت حاجته إلى بناء مدينة لتكون قاعدة له ولجيوشه فأسس مدينة القطائع.
ترك لنا العصر الطولوني آثارًا هامة من أبرزها مدينة القطائع التي أسسها أحمد بن طولون لتكون عاصمة له ولحكمه في مصر طوال العصر الطولوني.
ما قبل تأسيس مدينة القطائع
منذ أن اختط عمرو بن العاص مدينة الفسطاط عاصمة لمصر في سنة (21هـ= 642م) وكل أمراء مصر وولاتها ينزلونها ويديرون شئون الحكم والإمارة منها باعتبارها عاصمة البلاد، ولكن بعد أن انتهى الحكم الأموي وحل محله الحكم العباسي كخلافة عامة للمسلمين في سنة 132هـ جاء جيش العباسيين إلى مصر واختطوا عاصمة جديدة لمصر في سنة (133هـ= 750م) وسموها مدينة العسكر، وظلت مدينة العسكر عاصمة لمصر ومركز الإدارة والإمارة حتى سنة (256هـ= 870م) حين أسس أحمد بن طولون مدينة القطائع واتخذها عاصمة له ومقرًا للجيش والإدارة.
أحمد بن طولون مؤسس مدينة القطائع
كان أحمد بن طولون رجلًا عسكريًّا من أصل تركي، عاش في مدينة سامراء بـالعراق وقام بخدمة الخلفاء العباسيين بنجاح ومهارة مما جعله جديرًا بالتعيين واليًا على مصر عقب سلسلة من ولاة الأتراك، وقد أتاحت الصعوبات التي واجهتها الخلافة العباسية حينذاك الفرصة أمام أحمد بن طولون لتوطيد سلطته في مصر، ومن ثم أسَّس مدينة القطائع عاصمة له ومقرًّا لحكمه.
تأسيس مدينة القطائع
لم تكن مدينة العسكر ترضي طموحات أحمد بن طولون، فأخذ يبحث عن موقع آخر يصلح مقرًّا للحكم، ومن ثم أقام مدينته الجديدة شمال شرق مدينة العسكر على أرضٍ أكثر ارتفاعًا، بعد أن أزال قبور اليهود والنصارى المنتشرة في هذه المنطقة واطلق عليها اسم القطائع، وأفرد لكل طائفة من عساكره قطيعة سُميَّت كل واحدة منها باسم الأمير الذي نزل فيها أو باسم الطائفة التي سكنتها، ويستطرد المؤرخون في ذكر مدينة القطائع وما شُيد فيها من دور وحمامات وطواحين وأفران وأسواق مثل سوق العطارين والبَزَّازين، وسوق الجزَّارين والبقَّالين والشوائين، وسوق الخبَّازين والحلوانيين، وكانت كل قطيعة من هذه القطائع بمنزلة الحارات التي بالقاهرة.
أصبحت مدينة القطائع ثالث عواصم مصر الإسلامية بعد مدينتي الفسطاط والعسكر، كما تُعد أول عاصمة يُراعى في تخطيطها اتَّباع القواعد الفنية في انشاء المدن، خاصة تلك التي اتُّبعت عند تأسيس مدينة سامراء في العراق، فجاءت مدينة القطائع كبيرة الشبه بها، وكانت تقدر مساحتها بحوالي 667 فدانًا، وجعلها أحمد بن طولون خاصة به وبجنده وأتباعه وخدمه ومختلف المجموعات العرقية: سودانيين ونوبيين وروم ويونانيين.
آثار أحمد بن طولون
شيَّد أحمد بن طولون إلى جانب مدينة القطائع قصرًا له، كما قام بتشييد قناطر تحمل الماء إلى القصر والمدينة، ثم شيَّد بيمارستنان هو الأول من نوعه في مصر الإسلامية لعلاج أفراد الشعب، إلى جانب المسجد الذي يحمل اسمه والذي يُعد من أقدم أثار مصر الإسلامية، كما يُعد نقطة تحول مهمة في تاريخ العمارة الإسلامية، وعرف هذا المسجد في القرن (الرابع الهجري= العاشر الميلادي)، بالجامع الفوقاني، وطوال حكم الطولونيين في مصر (254- 292هـ= 868- 904م) كانت القطائع مدينة كبيرة عامرة بالحمامات والأفران والطواحين كثيرة الأسواق العامرة بأنواع المتاجر واستمرت كذلك حتى نهاية الدولة الطولونية سنة (292هـ= 904م) [1].
[1] انظر: المقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1418هـ، 2/ 119- 141، وأندريه ريمون: القاهرة تاريخ حاضرة، ترجمة لطيف فرج، دار الفكر للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة، 1994م، ص26- 31، وأيمن فؤاد سيد: القاهرة خططها وتطورها العمراني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015، ص39- 49، وحسن الباشا: القاهرة تاريخها وفنونها وآثارها، ص19-21، وسيدة إسماعيل كاشف: أحمد ابن طولون، ص240- 255.
التعليقات
إرسال تعليقك